بيئيون يحذرون: مستقبل البشرية رهن بحماية المحيطات!

من فردوس جزر المالديف المرجانية، يطلق علماء بحريون وناشطون بيئيون صرخةً جماعيةً تطالب بابتكار حلول عالميّة لأزمة المياه التي تهدّد مستقبل الجنس البشري، مع شحّ كميّات مياه الشرب وارتفاع نسب التلوث وافراط البشر بصيد الأسماك عشوائيّا.

نيكولاس كلاكستون من جزيرة لامو (المالديف): يصعب تخيّل مكان يضاهي بجماله جزر المالديف الساحرة. ولعلّ عنصر الجمال الذي لطالما جذب السيّاح إليها نجح هذه المرّة بجذب شخصيات بنت أمجادها بفضل عالم البحار وناشطين بيئيين تجمعوا للتوعية.

ولم يجد فابيان كوستو، حفيد مستكشف البحار الشهير جاك كوستو، مكانًا أفضل لإطلاق تحذيراته حول أزمة مصيريّة تحدق بالعالم وتهدّد استمرار الحياة فيه: إنّها أزمة المياه. "المستقبل يبدأ من هذه اللحظة، وتحديدًا من إقناع الناس بأنَّ البيئة مسألة تستحقّ أن نصونها ونحافظ عليها" يقول كوستو.

على بُعد 150 ميلاً إلى الشمال من خط الإستواء، ومع معدل ارتفاع يبلغ مترًا ونصف المتر عن سطح البحر، تحتل الجزر المرجانية الـ 1200 التي تتشكل منها المالديف، الموقع الجغرافي الأفضل لاستضافة احتفال بيئي يجمع بين النساء والرجال والمياه والحواس السّت.

فعلى مدى خمسة أيّام منذ مطلع شهر تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، خاض مشاهير في الرياضات المائية ومحافظين على البيئة المائية وممثلين حوارات ونقاشات حول أكثر التهديدات المحدقة بالحياة المائية.

وهدف اللقاء الأوّل من نوعه والذي انعقد في منتجع سياحي جنوب المالديف إلى زيادة الوعي حول حالة محيطات العالم. وباتت قضية شحّ المياه ملحّةً وخصوصًا أنّ المحيطات تغطي 75% من مساحة الأرض، بينما يشكل الماء العذب نسبة 2.5% من المياه حول العالم. وسعى اللقاء إلى تعزيز الجهود لضمان استمرار توفر المياه الصالحة للشرب في احدى أكثر الأنظمة البيئية المائية المذهلة ولكن غير المستقرة على الأرض.

يستذكر فابيان مقولة أطلها جدّه في أواخر السبعينات أمام الكونغرس الأميركي مفادها أن أمام البشر ما بين ثلاثين إلى أربعين عاماً لتغيير الحمض النووي (دي إن آي) الخاص بهم والتوقف عن استخدام المحيطات كمصدر دائم للمياه. أمّا اليوم، يضيف فابيان: "لقد بدأ هذا الوقت ينفذ وإذا لم تعد هناك حياة في المحيطات فلن تكون هناك حياة على الأرض". ويطلب بعاطفة جياشة من المحيطين به التفكير في هذا الأمر.

مبادرة الحواس الست
على أنغام النسمات اللطيفة التي تداعب أشجار النخيل، وأصوات تكسّر الموج على الشواطئ المرجانية التي تحيط بجزيرة لامو المرجانية الصغيرة وقليلة الارتفاع عن سطح البحر، دارت نقاشات بين خبراء في عالم البحار وعلماء بمن فيهم:
- د. كالوم روبيرتس، وهو عالم في الحفاظ على الثروة البحرية، ومصور بحار ومستشار "لبلو مارين فونديشن" التي أسسها عام 2010 كريس غوريل بارنير وجورج دوفيلد المنتج المنفذ لبرنامج "أند أوف لاين" وهو وثائقي حول الصيد البحري.
- د. كالوم روبيرتس، العالم في الحفاظ على الثروة البحرية
- أفيرل ستراسير، محامٍ في بيفرلي هيلز وهو يدير حالياً "ووتر شاريتي" التي قامت بأكثر من 500 مشروع بحري في 60 دولة، وأغلبيتها بالشراكة مع "سيكس سنسس" أي الحواس الست.
- فابيان كوستو، كاتب ومنتج أفلام، وهو بطل في المحيطات ومؤسس "بلانت أي فيش" للتدريب العملي على تجربة التعليم في الهواء الطلق التي تمكن المجتمعات المحلية والأطفال من استعادة النظم البيئية والشواطئ المرجانية أينما كانت. وقد قال "لم يستطع العديد من الأطفال رؤية الشواطئ المرجانية من قبل كما لم يتمكن العديد من الأولاد في الولايات المتحدة الأميركية من رؤية المحيط. غير ان جميع أفراد عائلة كوستو يحبون عالم البحار ونريد أن ننشر هذا الشغف أينما كان".

وقد حضر المشاركون من مختلف أنحاء العالم لدعم مبادرة "الحواس الست" التي يقودها مؤسسها ومديرها العام سونو شيفدازاني الذي يجمع الأموال لهذه الجمعيات الخيرية الثلاثة. وبين الحضور، الممثلة والناشطة البيئًية داريل هاناه، وعارضة الأزياء والمصورة هيلين كريستانسين، والحائز على جائزة الأوسكار ومنتج الأفلام الهندية شيخار كابوس، والممثلة كايت بوسوورد، وكبذ تابول، والمتزلجة العالميّة تيري سيمس، إضافةً إلى نخبة من النساء والرجال المتخصصين في عالم البحار.

للعطش حدود
ويجتمع المشاركون حول هدف أساسيّ وهو التوعية حول مصير المحيطات وحثّ الجميع على تنظيف وتنقية المياه لتصبح صالحة للشرب. في هذا الصدد، يرى شيخار كابور الذي يعدّ لفيلم اسمه (باني) ويتمحور حول موضوع المياه: "في الشرق الأوسط وآسيا عموماً، لا أحد يهتم فعلياً بالبحار إلا على صعيد الرياضات البحرية، إنما المسألة الأساس بالنسبة إلي هي كيفية توعية الناس حول مستقبل صحة المحيطات وأهميتها بالنسبة إلينا جميعاً".

وتستخدم كلمة "باني" باللغة الهنديّة كاستعارة للدلالة على العولمة التي أتاحت للشركات الاستئثار بموارد الماء في العالم، وأدخلت أبناء المدن في حرب ضروس لاستعادتها. ويقول كابور إنّ "للعطش حدود"، لافتًا "لقد وصلنا إلى هذه الحدود... جرّب العطش في نيويورك ليوم واحد؛ أو اقطع مسافة عشرة كيلومترات لجمع مياهك وستدرك كيف يعيش الآخرون".

يتابع كابور: "عندما وصلت إلى هناك حيث إحتفال "مان أند وومن ووتر" ظننت أنني أفضل الغطس لكن شددتني المحاضرات". وقد تكلمت عيناه أيضاً عندما أخبر الحاضرين كيف درس الإقتصاد غير انه يستحيل دراسة هذه المادة قبل فهم موضوع البيئة اولاً.

خمس السكان متعطشون
ووفقاٌ لإحصاءات صادرة عن الأمم المتحدة، يعيش خمس سكان الأرض (1/5) في مناطق تعاني من نقص في مياه الشرب، فيما تقترب حوالى 500 مليون نسمة حول العالم من هذه الحالة. في الوقت نفسه ينمو الطلب العالمي على المياه أسرع بعشر مرّات من النمو السكاني. ويستهلك قطاع الزراعة وحده 200 مليون ليتر من المياه في الثانية.

كلّ الوقائع التي يشير إليها الخبراء في اجتماعهم تدفع الى دق ناقوس الخطر، وايلاء قضية المياه مزيدًا من الاهتمام وخصوصًا أنّها العنصر الأهم لاستمرارية الحياة. فالمياه أكثر اهميّة من الطاقة على سبيل المثال، ونذرتها في العالم العربيّ بدأت تظهر للعلن مع النمو السكاني، الأمر الذي زاد الطلب على المصادر المحدودة أصلا، وأشعل نزاعات ذات الأبعاد تمتد إلى معظم أرجاء الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تنشب في أماكن أخرى من العالم. فخلال الأسبوع الماضي، أعلنت دولة تافالو الصغيرة في المحيط الهادئ حالة طوارئ وطنية بحجة أنه لم يعد لديها سوى مقدار يومين من المياه الطبيعية الصالحة للشرب.

إعادة صياغة الفكر الاقتصادي
واستناداً لكارل غوستاف لوندين مدير البرنامج البحري والقطبي الدولي في IUCN الذي يشارك أيضاً في مؤتمر الحواس الست، فإن النمو السكاني هو أساس المشكلات التي تواجه عالم المياه اليوم. فأين تكمن الحلول؟ يجيب لوندين: "أنا متفائل بمستقبل المحيطات. إن المؤتمرات الشبيهة بهذا الذي تستضيفه المالديف مثال يحتذى به، لكن غالباً ما أعبر عن يأسي من الأمم المتحدة لأني لا أومن بأن العمل الجماعي ممكن من خلالها". فما هو الحل إذاً؟

يتوق شيخار كابور لإثبات رأيه بأن خلف المشاكل التي تواجه المحيطات هناك مسائل أكبر وأقوى تؤثر على مصيرها؛ ويقول بشغف إن جزءاً من الحل يكمن في الحاجة إلى إعادة صياغة التفكير الاقتصادي.

ويقول كابور: "لسنا نعاني من تزايد في عدد السكان فقط، بل نحن نستهلك الموارد الطبيعية بإفراط". ويوضح "المسألة التي أثيرها هي أن السياسة الاقتصادية قائمة على الاستهلاك وهذا ما يجب ان يتغيّر" يضيف "علينا ان نفكر بطريقة مختلفة".

الدخل القومي للسعادة
وعند هذه النقطة، يصيح فابيان كوستو عبر مكبر الصوت قائلا إنّ "الأرضية الأساسية هي أننا نتحدث بلغة الاقتصاد التي لا تراعي الكرة الأرضية". ويحرص مؤسس الحواس الست ورئيس مجلس إدارتها سونو شيفدازاني على إبلاغ جميع المشاركين في النقاش إنه من أكثر المعجبين بملك بوتان. وتدور الرؤوس لتستمع إلى شيفدازاني يقول: "أنا من أكثر المدافعين عن ملك بوتان، وهي دولة يتحدثون فيها عن الدخل القومي للسعادة عوضاً عن الناتج القومي المحلي أو الدخل القومي. واحدة من المشاكل التي نعاني منها هي أننا لا نقيس ما هو إجمالي الرفاهية، الاستدامة والازدهار الانساني. يتم الحكم على السياسيين حول العالم استناداً للدخل القومي الذي يحققونه – لماذا لا نقيس الأشياء التي تجعلنا سعداء؟".

من الصعب عدم الشعور بالحماسة والتعاطف مع المتحدثين، وثقافتهم حول الموضوع وحججهم ورؤيتهم ونوعية النقاشات. بعد كل الذي قيل وتم فعله وبغض النظر عما تفكر فيه، فإن الجمهور متلقف بكل ما للكلمة من معنى. والجيران الوحيدون المتواجدون هم الدلافين ومجموعة الأسماك الملونة التي تعيش في الريف المرجاني للامو. ومن خلال مراقبة المشهد عند الفطور أو في الليل، يمكن معرفة الرابط الكبير الذي تشكّل بين الأشخاص الذين لم يلتقوا من قبل وكيف أنهم بدأوا يعملون معاً من أجل تحقيق اهتماماتهم المشتركة حول مستقبل المياه. وهو شأن يعني العالم بأسره ولا تحدّه حدود الجزيرة التي تستضيف المؤتمر.

الإفراط في الصيد
مشكلة أخرى تواجهها المحيطات تتمثل في الإفراط في الصيد. فأكثر من 70% من أماكن صيد السمك حول العالم مستغلة بالكامل أو بإفراط أو على وشك النضوب. وتستهلك اليابان ربع كمية أسماك التونا الأزرق الباقي في العالم وقد تراجعت نسبة أسماك التونا الأزرق بسبب الصيد الصناعي خلال الأعوام الأربعين الماضية بنسبة 85%. ويتم قتل 20 مليون طن من الأسماك والطيور البحرية والحيوانات اللبونة البحرية كل عام من دون ضرورة بسبب ممارسات الصيد العشوائي؛ وتشكل مياه المحيطات والجليد تقريباً 98% من جميع المياه على الأرض.

واستناداً لبرنامج حالة المحيط الدولي للعام 2011، فإن الأضرار التي تلحق بالمحيطات ليست واضحة فوراً كما هي أضرار التدمير على الأرض، لكنها لا تقل خطورة عنها. فجميع الضغوطات التي وضعناها على المحيطات، من الإفراط في الصيد إلى التلوث، ساهمت جميعها في تردي صحتها. والوضع سيء إلا أنه لا يزال لدينا الوقت الكافي لتجنب التغييرات الكارثية التي لا يمكن منعها عن أنظمتنا البيئية البحرية لكن ذلك يتطلب عملاً جذرياً خلال عقد من الزمن.

الحق في المياه النقية

وتقول جاكلين شان، التي ساهمت في تأسيس وترأس جمعية المياه الخيرية التي تعمل من أجل تأمين المياه النقية حول العالم لأولئك الذين لا يزالون يعانون من النقص في هذا الحق الإنساني البديهي، يوجد اليوم حوالي 884 مليون شخصاً حول العالم لا يحصلون على المياه النقية. وتقول إنه للتركيز على هذا الموضوع بطريقة أكثر واقعية، فإن هذا الرقم يعادل مجموع عدد سكان الولايات المتحدة وروسيا وفيتنام وتايلاند وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والكويت وقطر.

واستناداً لمعدل النمو السكاني الحالي، فإن عدد سكان العالم يمكن أن يتضاعف خلال 58 عاماً. ولا يشعر شيخار كابور بالتفاؤل حيال التهديدات العالمية للمياه ويقول "الصراع الاجتماعي حول المياه آت وهو يتعلق بحياتنا".

دعوات لقادة العالم للتحرك
وعند الفطور، ناقشت مسألة مصير المحيطات مع الممثلة داريل هاناه؛ وهي إحدى الناشطين والمدافعين عن مستقبل المحيطات. وهاناه تمارس رياضة الغطس منذ أن كانت في الرابعة من العمر لكنها ترى المحيطات اليوم كمدينة أشباح.

وقالت "الغطس في بيلاو، هو من دون شك أروع أماكن الغطس حول العالم، لكنه لم يعد كما كان قبل 15 عاماً، واليوم المحيط إجمالاً أصبح في وضع خطير"، مشيرة إلى أنها المرة الأولى التي تأتي فيها إلى المالديف.

وتلخص الأيام القليلة التي شاركت فيها في المؤتمر قائلة: "عندما سأغادر هذا المكان سيزداد حسي بخطورة ما يحدث للمحيطات وكل ما تعلمته هنا زاد من إدراكي بأنه ليس لدينا ثانية لنضيعها".

وسألت داريل هاناه إذا كانت متفائلة حول المستقبل وإذا كان لديها رسالة توجهها إلى قادة العالم حول مصير محيطات العالم. ترددت قليلاً ثم قالت "لست متفائلة. لا أؤمن بالنظام السياسي لكني أسأل، هل تملكون ما تتطلبه صفة القائد العالمي؟ نحتاج لقيادة نعم، لكني لم أر لغاية الآن خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح وإطلاق الصرخة حول المحيطات ولإعلان بأنها أصبحت تشكل أزمة".

وداريل هاناه ليست وحيدة بتفكيرها، ويشاركها الرأي جيم ثيبوت رئيس مجالس الإدارة الخبير الذي يملك إنجازات كبيرة كمخطط بيئي كما كصحافي ومخرج أفلام، وهو متشائم بالنسبة لقادة العالم والمؤسسات.

ويقول "يحتمل أن تشن الحروب بسبب المياه. يبلغ عدد سكان العالم اليوم ما بين 7 إلى 10 مليارات نسمة، بالتالي سيكون هناك تأثير كبير على الأمن العالمي".

ويضيف: "الأمم المتحدة لا تقوم بعمل استباقي وهي منخرطة في مسائل البروتوكول فقط. لم يعلم بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة بمشكلة المياه العالمية سوى مؤخراً. يجب على الرأي العام أن يقف بوجه القادة وعليهم أن يسألوا ما يمكنهم فعله شخصياً وما عليهم فعله في هذه المسألة اليوم وليس لاحقاً".

وبدورها، تدافع عارضة الأزياء والمحاربة البيئية الشهيرة هيلينا كريستنسن عن هذه القضية وعن أماكن مثل المالديف فتقول: "لا يوجد مكان آخر يمكنه أن يلقي الضوء على الجمال الأخاذ الذي نحن على وشك خسارته نتيجة التغيير المناخي وتأثير الإنسان على المحيطات مثل هذا المكان". إن الصرخة الجماعية الصادرة عنهم وعن العلماء البحريين والمحافظين على البيئة والآخرين المجتمعين في الأسبوع الحالي هنا في المالديف، موحدة، وهي أنه يجب على قادة العالم أن يحذوا حذوهم".

وعلى الرغم من حجمها الصغير، أخذت جمهورية المالديف خطوات كبيرة لحماية نظامها البيئي البحري الهش. ومنع الرئيس محمد ناشيد جميع أنواع صيد أسماك القرش، وأطلقت مبادرات لإنشاء طوق يحيط بجزر المالديف وتحويله إلى محمية بحرية رئيسية. ودعا نشيد الذي أطلقت عليه مجلة التايم لقب "بطل البيئة" لكي تكون بلاده الدولة الكربونية المحايدة الأولى في العالم بحلول العام 2020.

وفي هذه الأثناء اصبحت الحلول الدولية للأزمة العالمية التي تواجه محيطات الكرة الأرضية ومستقبل المياه للبشرية أكثر إلحاحاً.

من الصعب مغادرة هذا المؤتمر الملهم أو فردوس عالم المالديف من دون الشعور بأن اللامبالاة لم تعد بديلاً للعمل.


المصدر: وكالات