إرودغان يستقبل كالأبطال في مصر

ترى تقارير غربية أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان لقن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، وغيره، درسا في ما ينبغي عمله حين يتعلق الأمر بالرد على ممارسات إسرائيل، معززًا مكانته بوصفه الباشا الجديد للعالم العربي.

من عادة رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان الذي بات يعتبر بطلاً في الشارع العربي، أن يُزعج الجنرالات حتى عندما لا يقصد إزعاجهم. ولكن العسكر الذي ينتف شواربهم ليسوا هذا الاسبوع اوصياء الجيش التركي على علمانية تركيا، بل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يحكم مصر، كما تقول مجلة تايم في تقرير من القاهرة.

وكان اردوغان الذي يزور مصر، المحطة الأولى في جولة على دول الربيع العربي تقوده الى تونس وليبيا، استُقبل كما يُستقبل نجوم موسيقى الروك بخروج آلاف المؤيدين المحبين الذين حضروا الى مطار القاهرة حيث وصل مساء الاثنين.

ويرى مراقبون أن زيارته التي تستمر ثلاثة ايام تأتي في وقت غير مناسب لحكام القاهرة الجدد الذين ينظر اليهم عشرات آلاف الناشطين الشباب ممن قادوا ثورة فبراير على انهم بمثابة عودة إلى الحاكم السابق.
 
وتصاعد السخط على الجنرالات بعد رد فعلهم القاسي على اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة خلال التظاهرات التي قُتل فيها ثلاثة اشخاص وأُصيب أكثر من ألف آخرين. 
وسارع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الى إعادة العمل بقانون الطوارئ الذي كان من السمات المقيتة لحكم مبارك طيلة عقود، وعمد إلى توسيعه ليشمل نشاطات مثل سد الطرق ونشر معلومات كاذبة وحيازة السلاح.

وما زالت التساؤلات عائمة بشأن حادثة السفارة الإسرائيلية التي تكهن بعض المعلقين في وسائل الاعلام المصرية بأن المحتجين الذين اقتحموها كانوا مدفوعين من المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفسه، مشيرين إلى أنها كانت محروسة حراسة ضعيفة بانتشار بضعة رجال وقفوا يتفرجون فيما كان المحتجون يهدمون سور المبنى، ولم يتدخلوا إلا بعد ساعات ، بحسب مجلة تايم.

وكان المتظاهرون يحتجون على مقتل ستة من حراس الحدود المصريين برصاص الجنود الإسرائيليين في عملية توغل عبر الحدود بعد عملية ايلات.  واثار انتهاك السيادة المصرية غضب كثيرين لكن رد المجلس الأعلى للقوات المسلحة جاء فاترا. وتردد ان القاهرة هددت بطرد السفير الاسرائيلي لكنها لم تنفذ تهديدها. 

وفي هذه الأجواء يأتي اردوغان صاحب المواقف الحازمة الذي طرد السفير الاسرائيلي في تركيا وجمد العلاقات العسكرية الثنائية وتعهد ارسال قطع حربية تركية ترافق السفن التركية التي تتحدى الحصار الاسرائيلي لقطاع غزة في المستقبل. وبقدر تعلق الأمر بالشارع المصري فان إردوغان لقن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وغيره، درسا في ما ينبغي عمله حين يتعلق الأمر بالرد على ممارسات اسرائيل، معززا مكانته بوصفه الباشا الجديد للعالم العربي، على حد وصف مجلة تايم.

ورغم ان الربيع العربي لا يستهدف اسرائيل مباشرة فان الذين انتفضوا من أجل استرداد كرامتهم بوجه انظمة استبدادية ليسوا مستعدين للسكوت على ممارسات اسرائيل ضد الفلسطينيين مثلما سكت مبارك وغيره من الحكام العرب الدكتاتوريين. 

وبسبب هذه المشاعر فان جنرالات مصر يجدون أنفسهم في موقف صعب كمن يمشي على حبل رفيع.  إذ عليهم من جهة ان يهدئوا استياء الجماهير من موقفهم المتخاذل بنظرها إزاء اسرائيل ويجاروا تعاطف شعبهم مع الفلسطينيين، وان ينفذوا من الجهة الأخرى التزامات مصر الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع اسرائيل عام 1979، والحفاظ على تدفق مئات ملايين الدولارات من المساعدات الاميركية التي تُقدم سنويا للجيش المصري.
 
وجاءت زيارة اردوغان لتسلط الضوء على الانفصام بين التعاطف الشعبي العارم مع الفلسطينيين وتوجهات القادة العسكريين الذين يحكمون مصر.  وازداد الطين بلة بكلمة اردوغان الهادرة امام وزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية في القاهرة يوم الثلاثاء. فان اردوغان اعلن نفسه مدافعًا بلا منازع عن فلسطين، وقال للوزراء العرب المجتمعين (سوريا ارسلت ممثلاً أقل درجة) إن الاعتراف بفلسطين المستقلة ليس خيارًا بل واجب.  وحثهم على دعم الجهود الرامية إلى نيل اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية هذا الشهر.

وشدد اردوغان على الآصرة المتينة التي تربط تركيا بالقضية الفلسطينية والشعوب العربية عموما.

وقال ان بكاء طفل فلسطيني في غزة يدمي قلب أم في أنقرة، مؤكداً أن الوقت قد حان لرفع العلم الفلسطيني في الأمم المتحدة.  ودعا الى رفع العلم الفلسطيني ليكون رمز السلام والعدل في الشرق الأوسط.  واضاف أن اسرائيل عزلت نفسها بأفعالها اللامسؤولة "وعليها ان تدفع الثمن" بعدما رفضت الاعتذار عن غارتها على اسطول المساعدات الانسانية التركي الى غزة.

وفي ضربة أخرى موجهة الى اسرائيل ويقول مراقبون إلى الجنرالات المصريين أيضًا، أفادت تقارير أن اردوغان ابدى رغبته في العبور الى غزة  من مصر، ولكن لا يُعرف ما إذا كانت رغبته ستتحقق خلال الزيارة.  واياً تكن النتائج فان رسالة اردوغان عززت موقعه في العالم العربي وإن خبا نجمه في سوريا. فان كلمته في الجامعة العربية لم تتطرق الى سوريا رغم اشارة تسريبات في وسائل إعلام تركية إلى أنه سيقول "كلمته الأخيرة"  للرئيس السوري بشار الأسد.  ولعل هذا ما جاء لاحقا في كلمة اردوغان الثانية التي قيل انها كانت هذه المرة موجهة الى الشعب المصري من دار الأوبرا، لكنها لم تُبث لأسباب مجهولة. 

وقال اردوغان بشأن الوضع في سوريا إن الإصلاحات لم تتحقق في إشارة إلى وعود الأسد بالتغيير.  وأضاف أن الشعب السوري لا يثق بالأسد "ولا أنا اثق به.  كما اننا لا نصدقه".  وكان هذا كلامًا قوياً من رجل مرّ وقت نظر إلى الأسد على انه صديقه الشخصي.  ورغم أن تركيا اتخذت موقفا متشددا بصورة متزايدة تجاه الأسد فان الناشطين السوريين كانوا ينتظرون أكثر منه. وأشار اردوغان يوم الثلاثاء إلى أنه لن يخيب أملهم.